تسريبات إسرائيلية جديدة تتحدث عن احتمال عدم التزام بلادها بتنفيذ بند الانسحاب من «محور فيلادلفيا» الحدودي مع مصر، ضمن اتفاق «هدنة غزة»، تفتح تساؤلات عن كيفية مواجهة القاهرة لتلك الخطوة، خصوصاً مع رفض متكرر منها لحدوث ذلك على مدار نحو عام.
الاحتمال الإسرائيلي يستند إلى «عدم القضاء على (حماس) بعد»، غير أن خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يعدونه خطوة استباقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يزور واشنطن حالياً، بهدف تعزيز مطالبه خلال النقاش في البيت الأبيض، ليعود رابحاً بأي قدر ممكن، وخطاباً للأصوات التي تهدد بانهيار حكومته لو مضى للمرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، متوقعين أن يكون لقاء نتنياهو مع الرئيس دونالد ترمب الثلاثاء حاسماً في هذه المسألة.
وحال استمر نتنياهو في المحور ومخالفة بنود اتفاق الهدنة واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، «قد تحرك مصر قواتها بالمثل بسيناء»، وتتمركز بشكل أكثر عدداً وتسليحاً، بعد استنفاد سبل الضغوط الأميركية والدولية لتنفيذ الاتفاق «بشكل كامل»، بحسب تقديرات الخبراء.
ويرى الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية السفير علي الحفني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل ملزمة بتنفيذ الاتفاق كاملاً، وهناك غرفة عمليات مشتركة بالقاهرة تتابع وتضغط مع واشنطن لتنفيذه، مشدداً على أن مصر تتحرك برصانة وحكمة خاصة في مقابلة ما يتم تسريبه لا سيما إسرائيلياً، وستتمسك بتحقيق الاتفاق بشكل كامل، مؤكداً أن «أي تصريحات تؤخذ بجدية؛ لكن ندرك أنها ضمن لعبة الضغوط ومحاولة التأثير على تنفيذ اتفاق الهدنة».
ضغوط إعلامية
يتفق معه أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري النائب محمد عبد الرحمن راضي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، في أن «تلك ضغوط إعلامية إسرائيلية، لا يجب أن نمضي خلفها ولا نستبق الأحداث بتكهنات، حتى تتضح المرحلة الثانية ونية إسرائيل تجاه الاتفاق»، مشدداً على أن «نتنياهو ملزم بتنفيذ الاتفاق كاملاً، وأي شيء عكس ذلك سيرد عليه في حينه».
و«محور فيلادلفيا» المعروف أيضاً باسم «محور صلاح الدين»، هو شريط حدودي يمتد بطول 14.5 كيلومتر من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم على الأراضي الفلسطينية، بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» الموقّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، واحتلته إسرائيل في مايو (أيار) الماضي.
وبحسب اتفاق الهدنة الذي بدأ في 19 يناير (كانون الثاني)، فإنه «بعد إطلاق سراح آخر رهينة من المرحلة الأولى في اليوم الـ42، تبدأ القوات الإسرائيلية انسحابها وتستكمله بما لا يتجاوز اليوم الـ50».
وأفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الاثنين، نقلاً عن مصدر يرافق نتنياهو في رحلته لواشنطن، بأن الأخير يسعى عبر لقائه بترمب، إلى أن «يحصل على الدعم الأميركي الكامل لمواصلة القضاء على حركة حماس»، لافتة إلى أن إسرائيل «قد لا تلتزم في المرحلة الثانية بالانسحاب الكامل من غزة ومحور فيلادلفيا، دون تحقيق هذا الهدف».
مساعي مصر
بينما تواصل القاهرة مساعيها لاستكمال الاتفاق، حيث بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي جرى مع ستيف ويتكوف، مبعوث ترمب للشرق الأوسط وأحد صناع الاتفاق بمرحلته الأولى، «آخر مستجدات تنفيذ الهدنة والعمل على تنفيذ مراحلها الثلاث بشكل كامل»، مشدداً على «ضرورة استدامة وتثبيت الاتفاق»، و«الدور الأميركي المهم لضمان تنفيذه»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية» المصرية الاثنين.
مخالفة «السلام»
الخبير الاستراتيجي، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، اللواء محمد الغباري، يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن استمرار الوجود الإسرائيلي بالمحور يعد مخالفة لاتفاقية السلام، لافتاً إلى أن نتنياهو يفضل التصعيد في المواقف والمطالب حتى لا يبدو أنه مستسلم أمام استعراض «حماس» بقوتها أثناء تسليم الأسرى، بجانب احتواء المهددين له بانهيار حكومته.
وباعتقاد الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء سمير فرج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، فإن لقاء نتنياهو وترمب، سيكون حاسماً في مسألة البقاء بالمحور، مشيراً إلى أن التسريبات جزء من مساعٍ إسرائيلية لإرسال رسائل داخلية وأخرى لكسب مساحات تفاوضية، خصوصاً أن مشاهد تسليم «حماس» للأسرى فيها استعراض كبير يكذب ادعاء نتنياهو بأنه قضى عليها، مما يزيد ضعفه أمام خصومه المهددين بإسقاط حكومته.
ولم تعلق القاهرة رسمياً على التسريبات الإسرائيلية الجديدة، غير أن مصدراً في غرفة العمليات المشتركة بالقاهرة، لمتابعة تنفيذ إجراءات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» كشف سابقاً لـ«الشرق الأوسط»، أن اجتماعاً مصرياً - إسرائيلياً أواخر يناير الماضي، شهد «خلافاً» فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا، موضحاً أن «الخلافات تقنية لوجيستية وستُحل، حيث اقترحت إسرائيل أن تنفذ انسحابات جزئية من هذا المحور، لكن مصر لم تتقبل الفكرة وتصرّ على الانسحاب الكامل وعودة الوضع لما كان عليه قبل الحرب».
وكان «أشد رد مصري» بحسب وسائل إعلام إسرائيلية بشأن خلاف محور فيلادلفيا، في سبتمبر (أيلول) الماضي، بزيارة مفاجئة لرئيس أركان الجيش المصري الفريق أحمد خليفة، للحدود مع قطاع غزة، مع نشر دبابات مصرية بالقرب من معبر رفح.
ويؤكد اللواء الغباري أن الموقف المصري ثابت ومسؤول ولن يتراجع عن انسحاب إسرائيل من المحور، بينما يستبعد اللواء فرج، حدوث تصعيد مصري إسرائيلي بسبب المحور، مرجحاً أنه في حالة عدم التزام إسرائيل بالانسحاب من المحور، سيكون من حق القاهرة أن تدخل قوات أيضاً أكبر عدداً وتسليحاً داخل سيناء، وأن تعاملها بالمثل، مستدركاً: «لكن نتنياهو يتلكأ فقط لأسباب داخلية لديه، وسينفذ الانسحاب عاجلاً أم آجلاً».