تشاد تنهي اتفاقية الدفاع مع فرنسا وروسيا تراقب الوضع

الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

تشاد تنهي اتفاقية الدفاع مع فرنسا وروسيا تراقب الوضع

الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)

أعلنت تشاد إنهاء اتفاق التعاون العسكري والأمني مع فرنسا، لتلتحق بركب دول الساحل؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي دخلت في قطيعة مع فرنسا، وتوجّهت نحو شراكة مع روسيا، التي تواصل تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.

ولكن قرار تشاد، وإن كان يشبه في كثير من تفاصيله ما أقدمت عليه دول الساحل، فإنه لم يتضمن أي إشارة إلى التعاون مع روسيا، بل حاولَت حكومة تشاد نفي أن يقود إلى أي قطيعة مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.

الرئيس التشادي محمد ديبي خلال حفل تنصيبه في نجامينا 23 مايو 2024 (أ.ب)

وبموجب هذه الاتفاقية، كانت فرنسا قد ساندت عائلة ديبي، التي تحكم تشاد منذ أكثر من 3 عقود، على البقاء في الحكم، وتدخلت أكثر من مرة عسكرياً لقصف المتمردين حين حاصروا العاصمة نجامينا، إبان حكم الرئيس السابق إدريس ديبي إيتنو، عامي 2008 و2019.

وحين قتل ديبي في معارك ضد المتمردين قبل 4 سنوات، ساندت فرنسا نجله الجنرال محمدي ديبي، ووقفت إلى جانبه في فترة انتقالية مضطربة، حتى جرى انتخابه رئيساً للبلاد شهر مايو (أيار) الماضي.

عناصر من الجيش النيجيري خلال إحدى العمليات التي استهدفت عناصر موالية لـ«داعش» (الشرق الأوسط)

البحث عن السيادة

تعود جذور اتفاقية التعاون العسكري والأمني بين فرنسا وتشاد إلى حقبة الاستعمار، ولكنها تعززت أكثر بعد الاستقلال، وجرى توقيع أول اتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين البلدين عام 1976، وهي الاتفاقية التي تمت مراجعتها وتحديثها عام 2019، لتشمل تدريب القوات المسلحة التشادية، وتعزيز قدراتها اللوجستية، والتعاون الاستخباراتي العسكري والأمني.

وبموجب الاتفاقية، تنشر فرنسا قوات خاصة في قواعد عسكرية فوق أراضي تشاد، من أبرزها قاعدة جوية في العاصمة نجامينا، يوجد فيها اليوم أكثر من ألف جندي فرنسي، أغلبهم قادمون من النيجر بعد طردهم العام الماضي.

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

في غضون ذلك، قالت تشاد إن إنهاء الاتفاقية يمثلُ «نقطة تحول تاريخية»، مشيرة إلى أنه جاء «بعد تحليل عميق»، والهدف منه هو «تأكيد السيادة الكاملة وإعادة تحديد شراكاتها الاستراتيجية وفقاً للأولويات الوطنية».

مع ذلك، أوضحت تشاد أنها ستحترم «الشروط المنصوص عليها» لإنهاء الاتفاقية، وأنها ستتعاون مع الفرنسيين لضمان «انتقال توافقي»، مشيرة في السياق ذاته إلى أن القرار «لا يقوض بأي حال من الأحوال العلاقات التاريخية وروابط الصداقة بين البلدين».

وأكدت تشاد أنها «عازمة على الحفاظ على علاقات بناءة مع فرنسا في مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك لصالح الشعبين»، وعبّرت تشاد عن «امتنانها» تجاه فرنسا على سنوات التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وقالت إنها «ستظل منفتحة على أي حوار بناء لاستكشاف أشكال جديدة من الشراكة».

مظاهرة في باماكو بمالي تدعم روسيا وتدين فرنسا في ذكرى 60 سنة على استقلال مالي في 22 سبتمبر 2020 (أرشيفية - أ.ب)

تحولات عميقة

يأتي قرار إنهاء الاتفاقية بعد ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى تشاد، التقى خلالها رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، كما زار مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد، من أجل الوقوف على الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان، ووجّه انتقادات لروسيا واتهمها بالتورط في الحرب السودانية.

وفيما يحضر الصراع بين فرنسا وروسيا بقوة في المنطقة، يقول الخبير في الشأن الأفريقي محمد الأمين ولد الداه إن قرار تشاد «يمثل حلقة جديدة في سلسلة التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل في الآونة الأخيرة، حيث تتسارع وتيرة الانفصال عن النفوذ الفرنسي التقليدي الذي هيمن على دول المنطقة لعقود طويلة».

الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي مع نظيره الفرنسي في نجامينا 2018 (أ.ف.ب)

ومع ذلك، يؤكد الخبير في حديث مع «الشرق الأوسط» أن تشاد «لم تُظهر - حتى الآن - تقارباً صريحاً مع روسيا، على غرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولكن في ظل تراجع النفوذ الفرنسي، فإن الباب يبقى مفتوحاً أمام خيارات جديدة».

وأضاف ولد الداه أن «روسيا، عبر مجموعة (فاغنر)، تسعى بنشاط لتعزيز وجودها في أفريقيا، مستفيدة من الفراغ الذي تتركه فرنسا. ومع ذلك، تشاد قد تكون أكثر حذراً، نظراً لتعقيدات علاقاتها الإقليمية والدولية، ولحساسيتها تجاه الانتقال المفاجئ من شريك تقليدي إلى شريك جديد مثير للجدل».

خصوصية تشاد

قوات بقاعدة فرنسية في تشاد تعود لعام 2007 (أ.ف.ب)

ويوضح الخبير في الشأن الأفريقي أن «تشاد تمثل حالة خاصة بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب الساحل الأفريقي، ودورها المحوري في مكافحة الإرهاب في المنطقة، وعلاقتها العميقة مع فرنسا الممتدة لعقود»، مشيراً إلى أن القرار الأخير «يعكسُ تحولاً في نظرة تشاد لطبيعة العلاقة، وربما السعي نحو تأكيد السيادة بعيداً عن الإملاءات الخارجية».

الخبير في الشأن الأفريقي وصف قرار تشاد بأنه «ضربة موجعة لاستراتيجية باريس في منطقة الساحل، لكنه لا يعني بالضرورة خسارة آخر موطئ قدم لها في المنطقة»، مشيراً إلى أن «فرنسا لا تزال تحتفظ بعلاقات مع دول أخرى في المنطقة مثل النيجر (رغم التوترات الأخيرة) وموريتانيا».

عناصر فرنسية وتشادية بصدد استقلال طائرة عسكرية في شمال تشاد 2022 (أ.ف.ب)

ويؤكد ولد الداه أن انسحاب القوات الفرنسية من تشاد «سيضع باريس أمام تحديات حقيقية لتأكيد وجودها في أفريقيا»، مشيراً إلى أن «تشاد، بحكم موقعها وأهميتها الاستراتيجية، كانت أحد الأعمدة الرئيسية للوجود العسكري الفرنسي، لذا فإن هذا القرار يكرّس انكماش النفوذ الفرنسي، ويُظهر أن باريس تفقد تدريجياً قدرتها على الحفاظ على علاقاتها العسكرية والأمنية التقليدية في أفريقيا».

أما بخصوص تداعيات القرار على تشاد، فيشير الخبير إلى أنه «على المدى القصير، قد تواجه تشاد تحديات في ضبط أمنها الداخلي ومواجهة المجموعات الإرهابية، خاصة حين تنسحب القوات الفرنسية بسرعة». أما على المدى البعيد فيعتقد الخبير في الشأن الأفريقي أن القرار «قد يفتح المجال أمام تشاد لتبني سياسات أكثر استقلالية، ولكن ذلك يعتمد على قدرة القيادة التشادية على إدارة المرحلة الانتقالية بفاعلية».


مقالات ذات صلة

الصومال يُصعّد الضغوط على الوجود الإثيوبي في أراضيه

شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد «صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال» بمقديشو (رويترز)

الصومال يُصعّد الضغوط على الوجود الإثيوبي في أراضيه

تصعيد جديد من مقديشو ضد أديس أبابا بشأن ضرورة مغادرة قواتها التابعة لقوات حفظ السلام الأفريقية قبل نهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية والهجرة المصري ووزير العلاقات الدولية الأوغندي (الخارجية المصرية)

توافق مصري - أوغندي على «التشاور وعدم الإضرار» في قضايا مياه النيل

تناولت محادثات بين وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، ووزير العلاقات الدولية الأوغندي، هنري أوكيلو أوريبم، في القاهرة، الأربعاء، ملف الأمن المائي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في اجتماع رؤساء دول شرق أفريقيا قبل أيام (وكالة الأنباء الصومالية)

قانون «الاقتراع المباشر» وانتخابات غوبالاند يشعلان التوتر في الصومال

تحذيرات رسمية من إقليم بونتلاند الصومالي بشأن اقتراب البلاد من «حرب أهلية» مع تصاعد الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي ونظيره النيجيري في باريس قبل أيام (رويترز)

تحليل إخباري بعد قرار تشاد وتصريحات السنغال... هل يُغير الفرنسيون تحالفاتهم الأفريقية؟

طُرد الجنود الفرنسيون في السنوات الأخيرة من مالي ثم بوركينا فاسو والنيجر، وأخيراً من تشاد.

الشيخ محمد (نواكشوط )
العالم العربي اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري بالإقليم.

أحمد إمبابي (القاهرة)

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
TT

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)

حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود»، في بيان، الجمعة، من أن وباء الكوليرا «ينتشر سريعاً» في شمال جنوب السودان الذي يضم آلاف اللاجئين.

وقالت المنظمة إن ما لا يقل عن 737 حالة تم رصدها خلال شهر في ولاية أعالي النيل، لافتةً إلى أن الوباء كان محصوراً في ملكال، عاصمة هذه الولاية التي كانت مركزاً للتبادلات التجارية قبل أن تؤوي لاجئين، لكنه تفشى في مناطق أخرى بينها العاصمة جوبا.

واستقبلت ملكال عدداً كبيراً من السودانيين الجنوبيين الذين عادوا إلى بلادهم هرباً من النزاع في السودان المجاور، حيث أحصي أكثر من 37 ألف إصابة بالكوليرا حسب المنظمة.

وقال رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» في جنوب السودان زكريا مواتيا إن «الوضع في ملكال يبقى حرجاً، وما يقلقنا أن الوباء ينتشر في المناطق المجاورة»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا ضمات الكوليرا، وفق منظمة الصحة العالمية.

وأفادت الأمم المتحدة الشهر الفائت بأنها حصلت على أكثر من 280 ألف جرعة من اللقاح المضاد للوباء لتوزيعها في المناطق المهددة بانتشاره.

وجنوب السودان هو من أفقر بلدان العالم رغم ثروته النفطية. وبعد عامين من استقلاله في 2011، انزلق إلى حرب أهلية دامية بين الخصمين سلفا كير (الرئيس) ورياك مشار (نائب الرئيس حالياً)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.