«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

بأكثر من 50 لوحة مهداة إلى كاواباتا ومختار

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».


مقالات ذات صلة

التشكيلي المصري كلاي قاسم يُذكّر بالأحلام الضائعة

يوميات الشرق شخوصه تعدّ أشكالاً أكثر قرباً للمجسمات التي تتحرك في فضاء المسطح (الشرق الأوسط)

التشكيلي المصري كلاي قاسم يُذكّر بالأحلام الضائعة

المعرض الذي يحمل عنوان «رسائل مؤجلة» تدور فكرته حول قضية إنسانية شائكة، تعكس الأحلام الضائعة.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الفرح والسعادة والألوان المبهجة غلبت على اللوحات (الشرق الأوسط)

«الغريزة والتاريخ» معرض قاهري يدعم البدينات

بين صخب وهمس، حزن ومرح، جدٍّ وتهكم، تتحرك المرأة باحثة عن ملاذ آمن يحميها من تقلبات الزمن.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال المعرض تعكس الحياة في الأحياء الشعبية (الشرق الأوسط)

«إبداعات متقاطعة»... محاولة لاستدعاء ونس الأماكن ودفء البيوت

ما بين ونس الأماكن العتيقة، ودفء البيوت، وصنوف الفن المتنوعة، يطرح المعرض الجماعي «إبداعات متقاطعة» حالةً فنيةً تتداخل فيها الأفكار والمشاعر والانطباعات.

حمدي عابدين (القاهرة )
ثقافة وفنون جانب من الدورة السابقة التي حملت اسم فلسطين

انطلاق فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب

يتضمن برنامج المعرض أيضاً جلسات فكرية وثقافية عديدة يساهم فيها مثقفون وكتاب من العراق والبلدان العربية الأخرى

علاء المفرجي (بغداد)
يوميات الشرق أحدث لوحات زنتوت عن مدينة بيروت «سيعود بريقها» (راوية زنتوت)

راوية زنتوت تنفصل بريشتها عن لبنان الحرب

لم تنسَ راوية زنتوت أن تخصص لأرزة لبنان لوحةً خاصةً بها، وتحت عنوان «رمز الصمود» رسمتها خضراء على خلفية سماء زرقاء صافية.

فيفيان حداد (بيروت)

معرض أثري يتتبع «مسيرة العطور» في مصر القديمة

معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

معرض أثري يتتبع «مسيرة العطور» في مصر القديمة

معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

يستعيد المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) سيرة العطر في الحضارة المصرية القديمة عبر معرض مؤقت يستمر لنحو 3 أشهر، يلقي الضوء على صناعة العطور في مصر القديمة واستخداماتها المختلفة والطقوس المرتبطة بها.

المعرض الذي افتُتح الجمعة، بالتعاون بين المتحف المصري وجامعة بول ڤاليري مونبليه 3 في فرنسا، والمعمل المتميز «لابكس أرشيمد»، ومؤسسة اللغة الهيروغليفية «هيرولكسيك»، يعرض مجموعة من القطع الأثرية المرتبطة بالعطور، تم اختيارها من مقتنيات المتحف المصري بالتحرير، بالإضافة إلى متحف الفن الإسلامي بباب الخلق، والمتحف القبطي بمصر القديمة.

ومن القطع الأثرية التي يضمها المعرض وتوضح قيمة العطور في الحضارة المصرية القديمة، تماثيل للملكة حتشبسوت والإله آمون رع، ومناظر الرحلة التي أرسلتها حتشبسوت لبلاد بونت لإحضار المنتجات التي تستخدم في تصنيع العطور مثل المُرّ واللبان، ومن المعروضات أيضاً مجموعة من الزهور الأثرية المجففة من الدولة الحديثة، بالإضافة إلى الأواني والقوارير التي كانت تُحفظ بداخلها العطور، وكذلك المخطوطات التي تتضمن وصفات تحضير العطور، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار الجمعة.

مخطوطات قديمة تتضمن وصفات لتركيبات العطور (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وقال رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، مؤمن عثمان، إن هذا المعرض يتيح لزائريه الفرصة للتعرف على إحدى أهم الصناعات في مصر القديمة، وهي صناعة العطور، معرباً عن كامل التقدير لمجهود الجانب الفرنسي لإقامة هذا المعرض وخروجه بالشكل اللائق، مثمّناً التعاون بين مصر وفرنسا في مجال العمل الأثري بشكل عام.

في حين أوضح مدير عام المتحف المصري بالتحرير، الدكتور علي عبد الحليم، أن «المعرض سوف يستمر لمدة ثلاثة أشهر، ويتيح إلى جانب عرض القطع الأثرية، تقنية الواقع الافتراضي التي تمكّن الزائر من معايشة التجربة المتحفية، ومشاهدة استخدامات العطور في الحياة اليومية، والشعائر والطقوس الدينية من خلال عملية التحنيط، وأيضاً الاستخدامات السياسية لصناعة العطور».

نباتات عطرية مجففة كانت تستخدم لصناعة العطور (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ولفت مدير المتحف المصري إلى قيام قسم الترميم بالمتحف بتركيب بعض العطور المصرية القديمة طبقاً لما جاء بالبرديات الأثرية، وعرضها لزوار المعرض؛ مما يتيح لهم استنشاقها والتعرف على العطور المصرية القديمة على أرض الواقع، وفق البيان.

ويرى الأكاديمي المختص بالسياحة والحضارة المصرية، الدكتور محمود المحمدي، أن «معرض عطور مصر القديمة عبر العصور هو فرصة رائعة لإحياء تراثنا العطري الغني، وتعزيز السياحة، ودعم الصناعة المحلية، ونشر الثقافة العطرية».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر العطور جزءاً لا يتجزأ من الحضارات القديمة، وكانت لها أهمية خاصة لدى قدماء المصريين؛ فقد ارتبطت العطور في مصر القديمة بالحياة والموت، والدين والجمال، وكانت تستخدم في العديد من المناسبات والمراسم».

استعادة العطور المصرية القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أن «صناعة العطور في مصر القديمة كانت متطورة، وتمكن المصريون من استخلاص العطور من النباتات والزهور والراتنجات، وكانت عملية صناعة العطر تتضمن عدة مراحل، منها جمع المواد الخام التي تختلف حسب نوع العطر المراد إنتاجه، والمرحلة الثانية هي استخلاص العطر؛ إذ كانت هناك عدة طرق لاستخلاص العطر من المواد الخام، منها التقطير والضغط البارد. والمرحلة الثالثة خلط العطور؛ فبعد استخلاص العطور كان يتم خلطها ببعضها للحصول على الروائح المطلوبة. والمرحلة الرابعة والأخيرة التعبئة والتخزين؛ إذ كانت العطور تخزن في قوارير زجاجية أو فخارية مزخرفة».